آراء تحليلية

آراء الخبراء المختصين ونظرتهم التحليلية المعمقة حول نتائج "استطلاع أصداء بي سي دبليو السنوي لرأي الشباب العربي 2020".

استمعوا لصوت البراغماتية

أفشــين مولافي

أفشين مولافي

عقب فترة وجيزة من انهيار الاتحاد السوفيتي، قال المؤرخ الشهير جون لوكاكس: "جميع المصطلحات المنتهية بـ (ism) أصبحت منتهية بـ (wasm)". سرعان ما تستحضرني هذه المقولة عندما أفكر في استطلاع أصداء بي سي دبليو السنوي الثاني عشر لرأي الشباب العربي، هذا الاستطلاع السنوي الفريد من نوعه والذي يرصد توجهات وآراء الشباب في بقعة بالغة الأهمية من هذا العالم. وبالنسبة للعديد من الشباب العرب، يبدو أن فكرة المصطلحات المنتهية باللاحقة "ism" - وهي أيديولوجية شاملة لحل مشاكلهم - تبدو وكأن الزمن قد عفا عليهنها عليها وشربعنها، مثل الهواتف الأرضية مثلاً. ولعل البراغماتية (Pragmatism)، وليست المصطلحات الأيديولوجية المنتهية بـ "ism"، هي التي تحكم حاضر الشباب العرب؛ وفي عصر انعدم فيه الأمن نتيجة تفشي الوباء والاضطرابات السياسية، تمنحنا هذه الحقيقة الجوهرية الأمل بمستقبل المنطقة.

تجدر الإشارة إلى التحديين الأخطر اللذين يواجههما الشباب العربي اليوم، بحسب الاستطلاع: "مكافحة الفساد الحكومي" و "إيجاد فرص عمل جيدة الأجر". إنها مخاوف براغماتية للغاية ومبررة، وموضوع لم يغب عن الاستطلاع على مدى سنواته الاثني عشرة. وهذه ليست مطالب ثورية، بقدر ما هي صوت حق ينادي بتوفير فرص أكبر، وحكومة لائقة، وحياة أكثر كرامة.

وتشمل تطلعات الشباب الأخرى، بحسب الاستطلاع: دحر المنظمات الإرهابية، وتحديث المنظومة التعليمية، وتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وتحفيز الابتكار التكنولوجي. وكما قلنا، تعتبر هذه الاهتمامات براغماتية للغاية ومتمحورة حول "سوية الحياة". وهي أفكار أقل ثورية من تشي جيفارا وأكثر تكنوقراطية من وادي السيليكون. وفي خضم العقد المضطرب الذي شهده العالم العربي مؤخراً؛ فإن الكثير من الشباب العربي بات جلّ طموحهم أن ينعموا بسياسات أفضل، وفساد أقل، وفرص أكبر، ومنظومة تعليمية أحدث؛ وهذا إن دل على شيء فهو يدل على نضجهم ووعيهم.

وكانت الطبقات السياسية العربية أقل نضجاً من غيرها، لا سيما في دول شرق المتوسط وشمال أفريقيا، حيث خذلت هذه الطبقة شبابها مراراً وتكراراً. وكان العديد من هؤلاء القادة كمن يستخدم الهواتف الأرضية لحل مشاكل الجيل الرقمي - أو كانوا يلجؤون ببساطة إلى سياسة القمع. وقد أطاحت الانتفاضات العربية بالعديد من هؤلاء القادة عن "عروشهم" الذهبية، لكن المطالب الأساسية لتلك المرحلة – وهي كما قلنا المناداة بتوفير وظائف أفضل، وحكم لائق، وفرص أكبر - لم تتحقق في نهاية المطاف.

ويعتبر لبنان اليوم خير مثال على الطبقة السياسية الفاسدة التي تعجز عن /ترفض تلبية احتياجات شعبها. وفي الوقت الذي يواصل فيه الاقتصاد اللبناني تدهوره مطيحاً بمصالح شرائح كبيرة من الشعب، ثمة سؤال مهم يطرح نفسه، وهو: كيف يمكن لبلد يحظى بهذه الجغرافيا التجارية المتميزة، والشعب المثقف وعالي الكفاءات، والانتشار الواسع؛ أن يقع ضحية مثل هذا الانهيار الاقتصادي؟ يمكن اختصار الجواب بكلمة واحدة: الحوكمة.

لم تترك النخبة السياسية في لبنان إجراءً إلا جربته - لكنها فشلت - في توفير الظروف المثلى لتحقيق الازدهار، وتوفير الفرص، وضمان كرامة المواطن. واقتصرت نجاحاتها على جني الثروات الشخصية، ومحاربة خلافات هامشية، وتعزيز الانقسامات الطائفية. ومن هنا، لا عجب أن يسعى 3 من بين كل 4 شباب لبنانيين (77% على وجه الدقة) جاهدين إلى الهجرة أو أن يفكروا في الهجرة على أقل تقدير؟.

ولا شك أن كل من يهتم لمستقبل الشرق الأوسط والعالم العربي سيحزن لمصير لبنان وعاصمتها بيروت. لكن عند التعمق بالنتائج، نجد أنه ثمة بصيص أمل: نعم، فالشباب اللبناني رغم توقه لمغادرة بلاده، إلا أنه يهتم لمصلحتها، مما يدفعهم لدعم الاحتجاجات بأغلبية ساحقة (82%) وقيادة دفة التغيير الإيجابي (54%).

وبينما يقدم لبنان مثالاً عن الانهيار السياسي والاقتصادي السريع، كانت وتيرة هذا الانهيار في البلدان الأخرى أبطأ لكنها مقلقة بنفس القدر بالقدر نفسه. وهذا ما يقودنا إلى نتيجة مقلقة، وهي أن ما يقارب نصف الشباب العربي قد فكروا بمغادرة بلادهم. وبالرغم من كون نسبتهم لا تساوي لبنان في ارتفاعها، إلا أن شباب البلدان العربية الرئيسية الأخرى يسعون جاهدين أيضاً للهجرة وفقاً لنتائج الاستطلاع: ليبيا (6%)، اليمن (66%)، العراق (65%)، فلسطين (58%)، الأردن (56%)، وغيرها.

ويمثل استطلاع رأي الشباب العربي، الذي دخل الآن عامه الثاني عشر، سجلاً بالغ الأهمية لرصد آراء الشباب في عالم متقلب. وقد كشفت جائحة "كوفيد-19" بعض نقاط الضعف والقوة في بلدان المنطقة، وسرّعت وتيرة بعض التوجهات السلبية مثل البطالة. ويبدو واضحاً في استطلاع "نبض كوفيد-19" أن الشباب العربي يشعرون بقلق أكبر إزاء الحصول على وظائف في المستقبل مقارنةً بما كان الأمر عليه قبل الجائحة – وبذلك تبقى البطالة مصدر قلق دائم.

بضعة أشياء فقط بقيت على حالها، ومنها استمرار الأصوات التي تنادي بمستقبل اقتصادي أفضل. وهناك أيضاً نظرة الشباب العربي إلى دولة الإمارات؛ إذ للعام التاسع على التوالي، بقيت الإمارات البلد المفضل الذي يرنو الشباب العربي للعيش فيه ويريدون لبلدانهم أن تقتدي به حسب ما يكشف الاستطلاع.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا السؤال، المطروح على الشباب العرب، قد يمثل رأي العالم وليس الوطن العربي فحسب. وإلى حدٍ ما، تتفوق دولة الإمارات على الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وبلدان أخرى رفيعة الشأن. ولدى محاولة التعمق في أسباب اختيار دولة الإمارات كبلد مفضل للعيش بالنسبة للشباب العرب، نجد أن أبرز 3 أسباب تتضمن كونها: "آمنة ومستقرة ومأمونة" (44%) ، و"توفر باقة واسعة من فرص العمل" (36%)، "توفر رواتب مجزية "(32%). وهي ما تجسد المخاوف البراغماتية لشباب يعاني من غياب الأمن السياسي، والتراجع الاقتصادي، وندرة فرص العمل. وإذا نظرنا إلى الأمر بهذه الطريقة، لا عجب أنهم سيتطلعون للعيش في بلد عربي مجاور لبلدهم ويحظى بهذه المقومات، مقارنة ببلد غربي بعيد.

وكان للمؤرخ جون لوكاكس، صاحب المقولة الشهيرة: "جميع المصطلحات المنتهية بـ (ism) أصبحت منتهية بـ (wasm)"، تخوف واحد: وهو حس الانتماء الوطني والذي لا يزال قوياً برأيه. فنزول الشباب العربي إلى الشوارع ملوحين بالأعلام احتجاجاً على فشل حكوماتهم، يجسد شكلاً من أشكال الانتماء الوطني الإيجابي والمبشّر. إنه ليس انتماءً وطنياً مرتكزاً على سياسة الإقصاء أو انتماء آبائهم المرتكز على أساس "المدينة الفاضلة الكاذبة"؛ بل انتماء شعب تهمه مصلحة بلده فعلاً ويسعى جاهداً للتغيير نحو الأفضل.

وبناءً على نتائج الاستطلاع، يبدو أن الشباب العربي لا يبحثون عن إيديولوجية جديدة (ism)، ولكن جلّ ما يطمحون إليه هو حكومة لائقة، ووظيفة لائقة، وفرص لائقة، وتعليم لائق. وهذا أمر مبشر بالنسبة لمستقبل المنطقة، ولكنه في الوقت ذاته مؤسف لكون الحكومات تثبت بذلك فشلها الذريع في تلبية هذه الرغبات البراغماتية.

أفشــين مولافــي هــو زميــل أول فــي معهــد الشــؤون الخارجيــة بجامعة جــون هوبكنز للدراســات الدولية المتقدمــة فــي واشــنطن، حيــث يكتب بشــكل موســع عن الأســواق الناشــئة، وموضوعــات الاقتصاد السياســي فــي الشــرق الأوســط، و”طريــق الحريــر الجديــد”، وتداخل العوامل الجيوسياســية، والاقتصاد العالمي. ويكتــب مولافي منذ ســنوات فــي صحــف ومجــلات مثــل “فايننشــال تايمــز”، و”ذا نيويــورك تايمز”، و”فوريــن بوليســي”، و”بلومبيرجفيــو”، و”ذا واشــنطن بوســت”، و”نيوزويــك”، و”بزنــس ويــك”، و”جورنال أوف كوميرس”، و”ناشــيونال جيوغرافيــك”، و”إنستيتيوشــنال إنفســتور”؛ كمــا يظهــر بشــكل دوري علــى قنــوات “ســي إن إن”، و”بــي بي ســي”، و”العربيــة”، و”ســكاي نيوز عربيــة”، وغيرها. وهو مؤسس ورئيس تحرير “نيوسيلك رود مونيتور".

سونيل جون

رئيس شركة "بي سي دبليو الشرق الأوسط" (بيرسون كون آند وولف) ومؤسس "أصداء بي سي دبليو"
آن الأوان ليؤتي "عائد الشباب العربي" ثماره

Mina Al Oraibi
أفشين مولافي

زميــل أول فــي معهــد الشــؤون الخارجيــة بجامعة جــون هوبكنز للدراســات الدولية المتقدمــة فــي واشــنطن
استمعوا لصوت البراغماتية

Khalid Al Maeena
د. جهاد أزعور

مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى صندوق النقد الدولي
كوفيد-19 يسرّع الحاجة لعقد اجتماعي جديد

Sunil John
إيمان الحسين

باحثة غير مقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن
الشباب العربي وأهمية تجديد الخطاب الديني

Bernard Haykel
مينا العريبي

رئيسة تحرير صحيفة "ذا ناشيونال"، أبو ظبي
لمساعدة النساء العربيات على كسب حقوق أكثر

Hassan Hassan
حسين إبيش

باحث مقيم أول في معهد دول الخليج العربية في واشنطن
الإمارات العربية المتحدة نموذجٌ جديد للتعددية الاجتماعية والثقافية والدينية

Hussein Ibish
كيم غطاس

صحفية ومحللة ومؤلفة كتاب "الموجة السوداء: المملكة العربية السعودية وإيران، صراع الأربعين عاماً الذي كشف خفايا الثقافة والدين والذاكرة الجماعية في الشرق الأوسط
إيران وغضب الدول العربية ذات الأغلبية السنية

Raed Barqawi
منى الشقاقي

مراسلة قناة العربية الأخبارية في واشنطن
إذا لم تتمكن من استقطاب اهتمامهم في غضون 8 ثوانٍ ... ستفقدهم

Osama Al Sharif